Personalie

Thursday, November 3, 2011

نقطة عطر - أوجاع الحب



الاصل في الحب‏,‏ انه مصدر لسعاده الانسان‏,‏ لانه يجعله في حاله وفاق مع الاشخاص والاشياء المحيطه‏.‏ ثم انه يمثل قوه دافعه للانسان في كل مجالات الحياه‏,‏ وطريقا للاجاده والتميز في كل شيء‏..‏ وما من شك في ان النفس البشريه‏,‏ حين تاتلف مع غيرها‏,‏ تسبح في نهر من سعاده التوحد مع الاخر‏,‏ لان الانسان يبحث دائما عن الاليف الذي ياتلف معه‏,‏ زميلا او صديقا‏,‏ او حبيبا‏.‏ لكن الرياح قد تاتي احيانا بما لا تشتهي السفن‏!!‏ فهذا الطريق المودي بطبيعته الي السياده تعترضه في حالات كثيره‏,‏ عقبات واشواك‏,‏ بين وقت واخر‏,‏ تجعل طريق السعاده‏,‏ طريقا مدفوع الثمن‏,‏ بالدموع والعذاب والسهر‏.‏ ورغم هذه الاشواك‏,‏ فان جلال الحب وعظمته‏,‏ يهون من امر هذه الاشواك‏,‏ او يحجب تلك العقبات‏,‏ او يجفف دموع العذاب والسهر والحرمان‏.‏ وخلال سيرتي في بحث الاحوال العاطفيه للانسان‏,‏ ازداد يقينا‏,‏ وهو يقين لا يدركه الا من عايش وجرب‏,‏ ان الحب يوثر في انتاج الانسان‏,‏ تلميذا او موظفا او جنديا او تاجرا الي اخر فئات البشر‏.‏ وهو يوثر بالايجاب في حاله الانسجام والسعاده‏,‏ ويوثر بالسلب في حالات التنافر والتعاسه‏,‏ والذين لا يعرفون دور الحب‏,‏ ولا يدركون تاثيره‏,‏ ويتصورونه ترفا نحتاجه في حالات الاسترخاء والسلم والدعه‏,‏ لم يعرفوا الحب ولا اقتربوا من مذاقه ابدا‏.‏ وهم الذين تصدق عليهم المقوله الشهيره‏(‏ الناس اعداء ما يجهلون‏)!!‏ اي ان الذين يعادون الحب‏,‏ يجهلونه‏,‏ لان الذين يعرفونه‏,‏ يحبونه‏,‏ فهو ترياق للكثير من الامراض النفسيه‏,‏ ودفق الهي هائل في كيان الانسان لا دخل لارادته فيه‏.‏
وفيما اتعرض له من رسائل او زيارات استشاريه‏,‏ عن المشكلات العاطفيه التي تعصف باستقرار الانسان في شقها التعيس‏,‏ اجد ان هناك نمطيه في مشكلات الحب‏,‏ تجعلني اتنبا منذ بدايه الكلام مع طالب الراي كيف انتهي الموضوع‏,‏ ولماذا؟‏..‏ اما النمط الشائع جدا في مشكلات الحب‏,‏ فهو نمط الصدمه‏,‏ من تخلي الحبيب عن مشروع الزواج‏,‏ الذي نمت العلاقه وترعرعت في ظله‏!!‏ وهناك ايضا نمط
الحب مستحيل او صعب الوفاق‏,‏ وهو الحب بين مختلفي الاديان او مختلفي المستويات الاجتماعيه والاقتصاديه‏,‏ او مختلفي العمر‏,‏ او الحب بين المتزوجين‏!!‏ والمشكله الكبري في هذه النمطيه من اوجاع الحب‏,‏ ان اصحابها لا يدركون عذابها الا عندما ينطرح السوال الطبيعي‏(‏ وماذا بعد‏!!‏؟‏)..‏ هنا يدرك المحبون ان اختراق الحواجز امر صعب‏,‏ او مستحيل فقد رشق سهم الحب في القلب وتمكن‏!!‏ ولم يكن هناك في البدايه‏,‏ اي ادراك للعقبات او الاحتمالات‏..‏ كل ما كان يشعر به الانسان انه قد اخذ من نفسه اخذ عزيز مقتدر‏,‏ وانه استسلم لمشاعر تجتاحه لا يدري اين مثواها ولا يعلم ايان مرساها‏!!‏ هو لا يدري انه يتفتت‏..‏ وانه يتناثر ويتبدد‏..‏ وانه غيمات الامل الرابحه في سماوات السعاده‏..‏ لا يدري ان الغيمات عندما تتكشف‏..‏ تذوب امطارا هاطله ويصطدم معها مفتتا بارض الواقع الموجع‏.‏ فالفتاه تداعبها دائما احلام الزواج بطريقه اكثر اكتساحا مما يحدث للرجل‏,‏ ذلك ان للرجل في الغالب حسابات اخري‏,‏ فوق الحب للارتباط الزوجي‏,‏ مثل العمل وتحسين المركز والثقه والطموحات المختلفه‏.‏ في حين ان فكره الحب وحدها‏,‏ هي المسيطر الغلاب علي الفتيات‏,‏ باعتباره الاساس الراسخ للزواج السعيد‏..‏ والبعض من الرجال يستغل هذا الميل الغريزي عند الفتيات‏,‏ فيضرب علي اوتار الحب والزواج فيستميل الفتاه‏,‏ ربما بسهوله كبيره‏,‏ حتي اذا قضي وطره‏,‏ لاذ بالفرار او اثر الانسحاب او تذرع بمعاذير لا اول لها ولا اخر‏,‏ تاركا المسكينه تعاني انهيار الحلم وتحطم الامل وانكسار الروح‏.‏ وهذه الفئه من الرجال‏,‏ يلجا البعض فيها الي التلويح باستمرار العلاقه في صوره صداقه لاستحاله الزواج‏!!‏ وهو هنا يريد ان يمتص الفتاه حتي العدم‏,‏ وان يضيفها الي ارصدته ليستثمرها عند الحاجه‏,‏ وتظل المسكينه متعلقه به‏,‏ امله ان يعود ولكن هيهات‏..‏ فكما قلت واقول‏:‏ ان من تزوج بلا ضوابط‏,‏ لا يتزوج نفس الفتاه بضوابط‏!!‏ ولابد ان تدرك الفتاه ان ما تتنازل عنه لمن وعدها بالزواج هو خصم من رصيدها عنده‏,‏ لان اقترابها من جسده‏,‏ ابتعاد لها عن عقله‏,‏ لانه يريد زوجه‏,‏ لا عشيقه‏.‏ والذين يقعون اسري الحب الصعب او المستحيل‏,‏ يضربون رءوسهم في الصخر‏..‏ فلا تحطم الصخر ولازالت السدود‏,‏ ولكن تحطمت رووسهم وبدا اللطم علي الخدود‏!!‏ ان الذين يعيشون هذه الاحوال‏,‏ لابد ان يدركوا منذ البدايه‏,‏ مدي صعوبه الطريق ومدي استحالته‏.‏ والانسان في بدايه الحب‏,‏ يمتلك قدرا من الوعي والادراك‏,‏ يكفيه لتوقع استحاله الوصول‏!!‏ فالذين تختلف دياناتهم او يرتبطون بزواج‏,‏ او يختلفون في مستوياتهم الاجتماعيه والاقتصاديه‏,‏ عليهم ان يطرحوا علي انفسهم سوالا ضروريا وحتميا‏,‏ هو‏:‏ هل يمكن ان يصل هذا الحب الي مبتغاه من اتمام الزواج؟‏!‏ ان الانسان قبل ان ينزلق الي عمق البحر وقبل ان ينجرف مع دواماته‏,‏ لابد ان يدرك ان كان يجيد السباحه ليصل الي الشاطئ ام لا‏,‏ حتي يتراجع ويعود‏,‏ او يمضي ويزيد‏..‏ لكن المشكله الكبري ان مثل هذه المحاولات ليست بالبساطه التي نبحثها نظريا‏.‏ ذلك ان اغلب ابطال هذه القصص‏,‏ لا يفكرون غالبا في الزواج‏,‏ في بدايه العلاقه‏!!‏ انهم يملاون صدورهم بعبير الحب اولا‏..‏ حتي تاخذهم سكره الحب ونشوته‏..‏ ويبقون هكذا‏,‏ كالذين تخدرت اعصابهم‏,‏ واصبح الملاذ لهم‏,‏ لا الخروج‏..‏ ولكن ملاذهم يصبح الدخول في عمق البحر بالزواج‏!!‏ وتبدو الاستحاله المدهشه‏,‏ كانها فاجات الحب‏!!‏ فلا المتزوجون قادرين علي الزواج ممن يحبون الا بتدمير المنزل القائم‏..‏ ولا مختلفوا الديانه بقادرين علي الارتباط الا بكارثه عائليه دينيه‏,‏ ولا الذين يختلفون في مراكزهم الاقتصاديه او الاجتماعيه‏,‏ يستطيعون تتويج الحب بالزواج دون مشكلات اسريه خطيره تهدد العلاقات السويه بين افراد العائلات‏!!‏ ان هذه الاوجاع متداوله وشائعه‏,‏ في مشكله الحب التي اتصدي لابداء الراي فيها‏.‏ والحقيقه ان هناك من المشكلات ما تحله الفضفضه وحدها عند من لا يجدون من يثقون فيه الا نحن‏!!‏ وهناك من المشكلات ما يمكن حلها باتباع بعض الخطوات التي تحتاج الي تعاون الموجوع معي‏,‏ وهي تماثل اجراء عمليه جراحيه‏,‏ وينجح في حل المشكله‏,‏ اذا كانت للمشكله اسباب‏..‏ لكن من الموكد ان هناك مشكله يمثل حلها صعوبه‏..‏ وربما استحاله‏.‏ غير ان اوجاع الحب هذه‏,‏ لا يتسبب فيها المحب في كل الاحوال‏..‏ بل كثيرا ما يكون سببها المباشر‏,‏ اخرون يرفضون الحب‏,‏ فيتدخلون ويضعون الحواجز والسدود‏.‏ وقد يكون هولاء حسني النيه‏,‏ كما قد يكونون سيئي النيه‏,‏ وهنا يعاني الحب اوجاعا مزدوجه‏,‏ ويجد نفسه وهو يخوض حربين في وقت واحد‏..‏ ان هذه الاوجاع قد تعطي الانطباع بان الحب عذاب‏,‏ ولا تظهر ان الحب عذب‏,‏ لا عذاب‏..‏ والحب العذب هو ذلك الذي يخلو من الصعوبات والمستحيلات‏..‏ بل ان من حب الصعوبات والمستحيلات‏,‏ ما يمضي عذبا رخاء سعيدا‏,‏ اذا كان الحب مقصودا لذاته هو وحده‏.‏ اي ان الحب الوسيله محمل بعذاب وسعاده‏,‏ وبتوقعات متباينه‏..‏ بينما الحب الهدف لا يحمل اي عذاب ولا يحمل انتكاسات او احباطات‏!!‏
نقطه عطر‏ ..‏ اشعر بنبض الحب يدق في قلبك علي استحياء‏.‏ وحين تعلو دقاته سوف تحملنا اجنحه النغم الي سحابات العطر المكثف في السماء‏..‏ حينئذ سوف نذوب عشقا‏..‏ وسوف نتساقط مطرا‏..‏ لكننا سوف نروي الارض لاول مره‏,‏ بنبات للحب‏,‏ اسمه العطر‏..‏ يا عبق الحياه‏..‏ ونغم الدنيا‏..!!

لـ: د. محمد إسماعيل علي

Pages Navigathion